أنماط الشخصية التسعة وفقًا لعلماء النفس: دراسة عميقة في النفس البشرية
لقد أسهم العديد من علماء النفس في تطوير تصنيفات علمية تهدف إلى فهم كيفية تأثير السمات الشخصية في سلوك الأفراد. من بين هذه التصنيفات التي لاقت اهتمامًا واسعًا، يأتي تصنيف الأنماط التسعة للشخصية، والذي يُعرف عادةً بنموذج “إنياجرام” (Enneagram). يعتمد هذا النموذج على فكرة أن كل شخص ينتمي إلى أحد تسعة أنماط أساسية من الشخصيات التي تشكل تصوراتهم، سلوكياتهم، وآلية استجابتهم للضغوط والمواقف الاجتماعية. في هذا المقال، سنستعرض تفصيلًا الأنماط التسعة للشخصية وكيف يمكن لهذه الأنماط أن تؤثر في حياتنا اليومية.
1. النمط الأول: “المصلح” – المثالي الصارم
يمثل هذا النمط الأفراد الذين يتميزون بحس عالٍ من المسؤولية ويعملون دائمًا لتحقيق المثالية. يسعى “المصلح” إلى الكمال في جميع جوانب حياته، سواء كان في العمل، العلاقات أو حتى في أفعاله الشخصية. يعتقد هؤلاء الأشخاص أن هناك دائمًا طريقة أفضل وأكثر صحة للأشياء، ولهذا يسعون جاهدين لتطبيق هذه الرؤى على حياتهم وحياة من حولهم.
يتميز المصلح بموقفه الصارم تجاه الأخطاء ويميل إلى الانتقاد الذاتي الزائد عن الحد. هذا النمط من الشخصيات يمكن أن يعاني من القلق والتوتر المستمر نتيجة لملاحقة الكمال. وفي نفس الوقت، يعتبر “المصلح” من أكثر الشخصيات القادرة على إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع بفضل إصرارهم على تحسين كل ما حولهم.
2. النمط الثاني: “المساعد” – الشخص المعطاء
يعتبر “المساعد” أحد الأنماط التي تسعى دائمًا إلى إسعاد الآخرين، ويشعرون بالرضا عندما يقدمون الدعم والمساعدة لمن حولهم. هذه الشخصية عادة ما تكون مليئة بالعاطفة وتتمتع بقدرة هائلة على التعاطف مع الآخرين. يتميز هؤلاء الأشخاص بحس عالٍ من العطاء، ويرون في تقديم المساعدة أساسًا لتحقق قيمتهم الذاتية.
قد يعاني “المساعد” من صعوبة في تحديد حدوده الشخصية، مما يؤدي إلى استنفاد طاقته العاطفية أحيانًا بسبب تقديره الزائد لاحتياجات الآخرين. هذه الشخصيات قد تشعر بعدم الامتنان إذا تم تجاهلهم أو إذا شعروا أنهم لا يحصلون على ما يحتاجون إليه في المقابل.
3. النمط الثالث: “المنجز” – الطموح الناجح
الطموح والنشاط هما ما يميز “المنجز”. يمثل هذا النمط الأفراد الذين يضعون النجاح والإنجازات في مقدمة أولوياتهم. يسعى “المنجز” إلى التفوق في كل ما يقوم به، سواء في حياته المهنية أو الشخصية. يعشقون التحديات ويشعرون بالرضا عندما يحققون أهدافهم.
ومع ذلك، قد يعاني “المنجز” من الضغط المستمر للمحافظة على مكانتهم وسمعتهم، مما قد يؤدي إلى عدم توازن في حياتهم بين العمل والحياة الشخصية. يعمدون إلى تقديم صورة مثالية عن أنفسهم، ما قد يمنعهم من التعبير عن مشاعرهم الحقيقية.
4. النمط الرابع: “الفردي” – الشخصية العاطفية الفريدة
يتميز “الفردي” بحس عاطفي عميق ورغبة ملحة في التميز عن الآخرين. يسعى هذا النمط إلى التفرد واعتناق التميز في مختلف جوانب حياته. هذه الشخصيات تميل إلى النظر إلى العالم من منظور شخصي وعاطفي، ما يجعلهم يتمتعون بإبداع وموهبة فنية مميزة.
لكنهم قد يعانون من شعور مستمر بعدم الرضا عن أنفسهم، مما يجعلهم يشعرون بالوحدة والعزلة. يعتقد “الفردي” أن لديهم شيئًا فريدًا من نوعه يجب أن يتم اكتشافه، ويميلون أحيانًا إلى الوقوع في أفكار سلبية بشأن أنفسهم.
5. النمط الخامس: “المفكر” – العقلاني الباحث
“المفكر” هو الشخص الذي يعتمد على العقل والتفكير التحليلي لفهم العالم من حوله. يتمتع هذا النمط بفضول فكري لا ينتهي ورغبة مستمرة في اكتساب المعرفة. يفضل المفكرون العزلة ويركزون على تعميق فهمهم للأفكار والأشياء، مما قد يجعلهم بعيدين اجتماعيًا.
يتميز هذا النمط بقدرته على تحليل الأمور بموضوعية وعقلانية، لكنهم قد يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو في التواصل مع الآخرين. ينشغلون أحيانًا بالبحث عن الحقائق والمعرفة على حساب تلبية احتياجاتهم العاطفية.
6. النمط السادس: “الموالي” – المخلص الوفي
يمثل “الموالي” الشخصية التي تبحث عن الأمان والاستقرار. هذا النمط يعتمد على العلاقات الموثوقة والمستقرة، ويسعى جاهدًا للانتماء إلى مجتمع أو مجموعة يمكنه الاعتماد عليها. يشعر الموالي بالراحة في التواجد وسط أشخاص موثوق بهم، وهو عادةً ما يكون حذرًا ومترددًا في اتخاذ القرارات.
قد يعاني الموالي من القلق المستمر والخوف من الخيانة أو الفقدان، مما يؤدي إلى سلوك متحفظ وأحيانًا شديد الحذر. وفي المقابل، هم أشخاص مخلصون، مستعدون للقتال من أجل حماية أحبائهم أو قيمهم.
7. النمط السابع: “المتحمس” – الشخص المفعم بالحيوية
المتحمس هو الشخص الذي يبحث دائمًا عن المتعة والتجارب الجديدة. يتميز هذا النمط بالمرونة والطاقة الكبيرة، ويسعى للاستمتاع بكل لحظة في الحياة. لديهم فضول مستمر ولا يحبون الروتين أو الاستقرار طويل الأمد. يحبون استكشاف آفاق جديدة ويبتعدون عن المشاعر السلبية التي قد تقيدهم.
لكن في بعض الأحيان، قد يواجه “المتحمس” صعوبة في الالتزام أو التركيز على هدف واحد، مما قد يؤدي إلى تشتت اهتماماتهم. وقد يتجنبون المواجهة المباشرة للمشاكل أو المشاعر السلبية.
8. النمط الثامن: “المتحدي” – القوي والمسيطر
“المتحدي” هو شخص قوي، طموح، وعادةً ما يتسم بالقوة في اتخاذ القرارات. هذا النمط يسعى إلى السيطرة على الظروف ويكره أن يكون في وضع ضعيف. يواجه المتحدي الحياة بشجاعة وتحدي، ويتسم عادةً بالقدرة على القيادة واتخاذ المبادرة.
ومع ذلك، قد يكون “المتحدي” أحيانًا سريع الغضب أو قاسيًا في مواقفه، مما يجعل التعامل معه تحديًا للآخرين. يميل إلى تجنب الضعف أو الاعتماد على الآخرين، وهو ما قد يؤدي إلى العزلة أو العلاقات المتوترة.
9. النمط التاسع: “الوسيط” – الهادئ والمتوازن
“الوسيط” هو الشخص الذي يسعى للسلام الداخلي والتوازن بين مختلف جوانب الحياة. يتمتع هذا النمط بقدرة استثنائية على تهدئة الأوضاع المتوترة وتحقيق الانسجام بين الأفراد. “الوسيط” لا يحب الصراع ويسعى دائمًا إلى تجنب التوترات.
لكنهم في بعض الأحيان قد يكونون غير قادرين على التعبير عن احتياجاتهم الشخصية، مما يؤدي إلى كبت مشاعرهم. هذا النمط يسعى إلى إرضاء الجميع، مما قد يعرضهم للتضحية بمصالحهم الشخصية.
خاتمة
تتسم كل من الأنماط التسعة بالخصائص والسمات المميزة التي تحدد كيفية تفاعل الأفراد مع العالم المحيط بهم. فهم هذه الأنماط يمكن أن يساعد الأفراد في التعرف على شخصياتهم بشكل أعمق وتحقيق توازن أفضل في حياتهم الشخصية والمهنية. من خلال معرفة نقاط القوة والضعف في كل نمط، يمكن لكل شخص تحسين علاقاته وتطوير مهاراته الحياتية لتحقيق أهدافه بشكل أفضل.
